الفائدة السادسة: الصدقة من أعظم أسباب دخول الجنة
وهي من أعظم أسباب دخول الجنة، واسمع بعض هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى أبو كبشة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقصت صدقة من مال، ولا فتح عبد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله تعالى عليه باب فقر، ولا تواضع أحد لله إلا رفعه -ثم قال-: وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، إنما الدنيا لأربعه نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً، فهو ينفق ماله في علمه، ويتصدق، ويصل رحمه، وينفق في سبيل الله؛ فهو أفضلهم، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثل ما عمل.
فهما في الأجر سواء.
ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علمه فهو يخبط فيه ولا يتقي الله عز وجل، ولا يصل به رحمه ولا يعطي منه المسكين، فهو أخبثهم منزلةً.
ورجل لم يؤته الله تعالى مالاً ولا علماً، فيقول: لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثل ما عمل.
فهما في الوزر سواء} .
والحديث رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وذلك يدل على أن نية المؤمن الصادقة على الإنفاق في سبيل الله وغير ذلك من أبواب الخير، أنها تبلغه منازل العاملين، متى كانت نيةً صادقة من أعماق قلبه، وليست مجرد أمنية، ففرق بين النية والأمنية، لأن بعض الناس يقول: لو عندي، لكن لو أعطاه الله عز وجل لكفر: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:75-77] ففرق بين الأمنية وبين النية الصادقة المبيتة الجازمة، أنه لو أعطاك الله مالاً لفعلت مثل فلان، أو لو رزقك الله علماً لفعلت به مثل فلان.
وفي صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة: {أن رجلاً من بني إسرائيل سمع صوتاً في السحاب يقول: اسق حديقة فلان اسق حديقة فلان.
فلما توسطت السحاب المزرعة أمطرت ما فيها، فذهب الرجل فإذا فلاح يحول الماء بمسحاته، فاستوعبت الشريجة ذلك الماء كله، فقال له الرجل: ما اسمك يا عبد الله؟ قال: اسمي فلان -بالاسم الذي سمعه في السحابة- فقال: وماذا تصنع؟ قال: وما ذاك؟ قال: سمعت صوتاً في السماء يقول: أسق حديقة فلان أسق حديقة فلان، فلما توسطت السحاب مزرعتك أمطرت.
فقال: أما إن قلت ذاك، فإنني إذا أخذت ثمرة هذه الحديقة تصدقت بثلثها، وجعلت ثلثها فيها، -أي رده في بذرها وإصلاحها- وأكلت أنا وأولادي ثلثها} .
فمن أجل ذلك وسع الله على هذا الرجل، وبارك له في رزقه وفيما أعطاه، حتى إن ملكاً موكلاً بالسحاب، يقول: اسق حديقة فلان اسق حديقة فلان، يخصه دون غيره من الناس، ولذلك لا تعجب إذا رأيت الناس الذين أصيبوا بالكوارث والمصائب والنكبات، إنما أتوا من قبل أنفسهم.
يقول لي أحد الإخوة القضاة: إنه جاءه رجل يشتكي إليه أن صاعقةً نزلت على غنمه فأتلفت منها مئاتاً -أكثر من سبعمائة رأس- فهو يأتي للمحكمة حتى تسجل له ويعوض عنها، يقول: فقلت له ذات مرة: ما سبب هذه المصيبة التي نزلت بك؟ لعلك لا تخرج الزكاة؛ قال: فرأيت الرجل تأثر ثم خرج من عندي ولم يعد بعد ذلك، وكأن هذه الكلمة وقعت من الرجل موقعاً، وعرف أن ما أصابه بسبب ذنوبه، فلم يرد أن يأخذ تعويضاً أو مقابلاً لذلك، ولعله تاب إلى الله عز وجل، ولذلك ينبغي علينا جميعاً أن نحرص على أن نتقي النار بالزكاة والصدقات والنفقات.
وقد جاء في الحديث المتفق عليه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه ويبنه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشام منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة} وفي الحديث الآخر المتفق عليه -أيضاً-: {أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى النساء وعظهن وذكرهن، وقال: يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار} فبين عليه الصلاة والسلام أن
الفائدة السابعة: النفقة سبب في دعاء الصالحين لك
هي سببٌ في دعاء الصالحين لك بالخير، ولهذا قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] فكان عليه الصلاة والسلام يأخذ الصدقة والزكاة، ثم يقول: {اللهم صلِّ على آل بني فلان، اللهم صلِّ على آل أبي أوفى} كما في الصحيح، وكذلك قال الله تعالى في الآية السابقة: {وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة:99] أي: دعواته لهم.
إن المؤمنين جميعاً يدعون للمنفقين، بل وحتى الملائكة، فما من شمسٍ تطلع إلا وملكان يقولان: {اللهم أعط منفقاً خلفاً} وهكذا الصالحون من المؤمنين يدعون للمنفقين.
وأقول أيها الأحبة: حق عليَّ وعليكم أن ندعو سراً وجهاراً حتى في صلاتنا وسجودنا للذين يساهمون في أعمال الخير، ويدعمون مشاريعها سواء عرفوا، أو لم يعرفوا، هذا بعض حقهم، وإذا كنت أنت عاجزاً عن الإنفاق، فادع لمن أنفقوا، فإنك لست عاجزاً عن الدعاء.
الفائدة الثامنة: النفقة طهارة للنفس
الثانية عشرة: النفقة مضاعفة في أجرها وثوابها، قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276] وقال تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:18] وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:261] .
الفائدة التاسعة: عدم الإنفاق مهلكة
الثالثة عشرة: ترك الإنفاق مهلكة في الدنيا والآخرة، فأنفقوا في سبيل الله، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] .
الفائدة العاشرة: الإنفاق سبب لرحمة الله
الخامسة عشرة: هي طهارة للنفس وزكاء لها، كما قال سبحانه وتعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14-15] وقال: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:17] يعني: النار، {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] .
الفائدة الحادية عشرة: هي سبب لرحمة الله عز وجل للمتصدقين والمنفقين
قال جل وعلا: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156] .
الفائدة الثانية عشرة: هي سبب للتكفير ومغفرة الذنوب
قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة:271] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن} والحديث جاء أصله في الصحيحين في قصة خطبة العيد، وجاء -أيضاً- عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود كما عند الترمذي وأبي داود، وهو حديث حسن، وله شواهد.